lundi 13 mai 2019

مقال: أي موقع لجهاز كتابة الضبط في ظل استقلال السلطة القضائية بقلم ذ. محمد الغفيد

مقال: أي موقع لجهاز كتابة الضبط في ظل استقلال السلطة القضائية بقلم ذ. محمد الغفيد





أي موقع لجهاز كتابة الضبط في ظل استقلال السلطة القضائية ؟

يعد المغرب من البلدان الذي يسعى دائما إلى تجويد جهازه القضائي الداخلي، ويعمل جاهدا لتحسين هيكلته القضائية في العديد من المناسبات واللقاءات التي تصب في منحى الإصلاح.      ويعتبر القضاء عصب أي مجتمع وصمام الأمان على غرار باقي القطاعات الحيوية ،من  هذا النهج  سار المغرب قدما وعمل على إصدار العديد من القوانين والقرارات  على  رأسها دستور 2011 إذ أحدثت  فيه ثورة تشريعية مهمة  شملت العديد من المجالات  والمؤسسات والحقوق ،حيث  تكمن  أبرزهذه المستجدات في جعل جهاز القضاء سلطة على غرار السلطتين التشريعية والتنفيذية حسب  الفصل 107 من الدستور.
بهذا المنطلق بدأ الحديث عن إصلاح الجسم القضائي المغربي بما يتوافق ومبادئ الدستور والإتفاقيات الدولية،الأمر الذي تحول إلى مطلب مجتمعي ينادي به جميع المتدخلين في أسرة العدالة حيث بدأت شرارة الإصلاح من طرف جميع مكونات العدالة  عقبها تحول جدري كان في السابق حلم صعب المنال تجلى في استقلال المجلس الأعلى للسلطة القضائية بموجب الفصل 113 من الدستور المغربي عن وزارة العدل.                  فأصبح يهتم بتطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم وأيضا فصل النيابة العامة عن وزارة العدل وتخويل رئاستها  للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بموجب قانون 33.17 تماشيا مع المطالب الحقوقية والمجتمعية من أجل بلورة جهاز العدالة وترقيته إلى مصاف الدول المتقدمة.
وبالموازاة مع ذلك صادق المغرب على عدة قوانين ذات الصلة بالعمل القضائي أهمها قانون التنظيم القضائي الجديد رقم 38.15 الذي غير العديد من الأمور في الخريطة القضائية المغربية وخاصة تلك المرتبطة بجهاز كتابة الضبط ،الأمر الذي خلق نوع من الريبة لدى الباحثينن والمتتبعين  فمنهم من استحسن الفكرة ووافق على كل مضامينه  ومنهم  من وجد نفسه تائها أمام كل هذه المستجدات.
على هذا الاساس سيرتكز حديثنا انشاء الله حول خصوصية  جهاز كتابة الضبط في التشريع المغربي ؟ (المحور الأول) وأي موقع لهذا الجهاز في ظل استقلال السلطة القضائية؟(المحور الثاني )
المحور الأول : خصوصية جهاز كتابة الضبط في التشريع المغربي.
كما هو معلوم فجهاز كتابة الضبط له عدة خصوصيات ومميزات داخل الجسم القضائي المغربي وقد قطع أشواطا مهمة منذ القدم ،حيث عرف التنظيم القضائي المغربي ثلاث مراحل رئيسية (مرحلة ماقبل الحماية ومرحلة عهد الحماية ومرحلة مابعد الاستقلال ) وما يهمنا نحن هي المرحلة الأخيرة التي شهد المغرب فيها قفزة تشريعية قوية الهدف منها استدراك الأعطاب التي تركها المستعمر،أفرزت  لنا ظهير 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي المغربي الذي جمع شتات الخريطة  القضائية للمملكة ووضح اختصاص كل محكمة على حدا ،وبين طريقة العمل بها ودور كتابة الضبط فيها وتحديد الوظائف.
من هنا أصدر المشرع المغربي  عدة مراسيم وظهائر  تنظم كتابة الضبط بدءا بمرسوم 79 وصولا إلى مرسوم 2011 الذي يحدد اختصاص ومهام أطر كتابة الضبط وتأليفها بحيث نجدها تتكون من" موظفين يخضعون لظهير 1958 المتعلق بالوظيفة العمومية ويرتبون  حسب السلم الإداري المعمول به وينقسمون الى كتاب الضبط التابعين لرئاسة المحكمة والى كتاب الضبط التابعين لكتابة  للنيابة العامة ويخضعون لإشرافهم،  حيث يعملون على تنقيطهم كل سنة ويراقبون  السير العام للإجراءات.
وتجدر الاشارة هنا الى أهم خصوصية يمتاز بها هذا الجهاز وهي الاستقلالية التامة عن باقي مكونات العدالة فلا دخل لأي كان في عملها سوى السلطة المباشرة التي يخضعون لها حيث تراقبهم في عملهم، وصدق من قال بأن كتابة الضبط هي ذاكرة المحكمة ،إذ بها تفتح الدعوى وبحضورها  ينطق الحكم وبها ينفذ. وعليه تعتبر المحرك الأساس داخل المحكمة.
أيضا من خصوصيات جهاز كتابة الضبط ، الربط بين الوافدين على المرفق القضائي،بالإضافة الى حضور الجلسات وتدوين ما يروج داخل القاعة في محضر رسمي وتقوم بمنح بعض  الشواهد الضرورية والتي بدونها لا يمكن للمساطر أن تستقيم.
مثال على ذلك تسليم شواهد بعدم التعرض والاستئناف او النقض ومنح النسخ التنفيذية والتبليغية واستدعاء الاطراف ومراقبة الملفات بشكل محكم ودقيق منذ نشأتها إلى  حين تنفيذها. كل هذا تحت رقابة السلطة المباشرة التي تشرف عليهم بما لا يتعارض مع وااجب التحفظ التي هي الاخرى معنية به على غرار القضاة، تماشيا مع مقولة الراحل الحسن الثاني رحمة الله بأن مسؤولية القاضي ليست أجسم من مسؤولية كاتب الضبط، فسرية المداولات وسلاسة الاجراءات وسلامتها   في أعناقهم جميعا.
من كل هذا حظي هذا الجهاز بعناية تشريعية همت كل جوانبه حيث صادفت دخول فئة جديدة من الأشخاص اغلبهم يحمل شهادات عليا، الامر الذي انعكس إيجابا على مردودية المحاكم فيما يخص سرعة البث في القضايا المعروضة على أنظارها.

المحور الثاني : أي موقع  لجهاز كتابة الضبط في ظل استقلال السلطة القضائية ؟
لا شك أن الحديث عن موقع جهاز كتابة الضبط في ظل استقلال السلطة القضائية أصبح أمرجوهريا داخل الحقل القانوني المغربي عامة وأمام الجميع خصوصا.
إن المستجدات التي طرأت على الساحة القانونية تطرح عدة تساؤلات من ضمنها إحداث المجلس الاعلى للسلطة القضائية ونقل رئاسة النيابة العامة الى الوكيل العام للملك لدى محمكة النقض بعدما كانت في يد وزير العدل وصدور قوانين خاصة بكل مؤسسة، وكذا المصادقة على قانون التنظيم القضائي الجديد  (38.15)
الذي جاء بعدة مستجدات أساسية تهم جهاز كتابة الضبط، منها التنصيص على وحدة موظفيها أي أنه سيتم الجمع بين موظفي النيابة العامة ورئاسة المحكمة والتوحيد في الاجراءات وكذا إحداث مؤسسة الكاتب العام داخل كل محكمة،  مهمته الاشراف على رؤساء المصالح والموظفين التابعين له،لكن الاشكال الذي يطرح نفسه هي أي جهة ستراقب عمل الكاتب العام علما أنه في السابق كانت  تخضع جميع أعمال كتابة الضبط  لوزارة العدل تحت مسؤولية رؤسائهم المباشرين.
فمن خلال القراءة الاولية للقانون المذكور يتضح بجلاء أن هناك  غموض واضح حول موقع جهاز كتابة الضبط ،إذ هناك من يرى بأنها ستصبح أمام جهتين رقابيتين.
وتجدر الاشارة الى أن المشرع استعمل لاول مرة مصطلح الادارة القضائية في قانون التنظيم القضائي الجديد ،وهدا يعني أنه تم الارتقاء بكتابة الضبط ودلك على خلاف ما كان عليه الوضع في القانون  السابق لسنة 1974، وبالرجوع الى القانون الجديد للتنظيم القضائي كما صادق  عليه مجلس المستشارين يلاحظ أن المشرع المغربي وفي إطار استحضاره لمبدأ الفصل بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية أفرد فصلا كاملا من الباب الثاني تحت مسمى منظومة التدبير،تأكيدا منه على أن العمل الاداري منفصل عن العمل القضائي.
ولهذة الغاية جعل من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تتولى الاشراف الاداري والمالي على المحاكم عبر مسؤوليها الاداريين الممثلين في الكتاب العامون للمحاكم.
ويعتبر الكاتب العام للمحكمة بصريح المادة 23 رئيسا تسلسليا أعلى لموظفي كتابة الضبط ورؤساء المصالح بالمحاكم،حيث يخضعون مباشرة لسلطته سواء فيما يتعلق بمراقبتهم أو تقييم أدائهم أوتنظيم عملية الرخص الادارية المتعلقة بهم ، وبشكل عام يقوم بتدبير الوضعية الفردية لجميع موظفي كتابة الضبط ،وهذا على خلاف ماهو عليه الوضع حاليا حيث رؤساء المحاكم هم الذين يتولون ممارسة هذه الاختصاصات بشكل فعلي.
الامر الذي يمكن معه القول ان المشرع وبشكل صريح جرد المسؤولين القضائيين من سلطتهم على موظفي المحاكم وأسندها للكتاب العامين.
وفي هذا الصدد فإن تنصيص المشرع على هذا المقتضى القانوني فقد أزاح عبئا ثقيلا على رؤساء المحاكم أو المسؤولين القضائيين خاصة أن مهام التدبير والتسيير تعوق بشكل كبير اضطلاع كل مسؤول بالدور القضائي المنوط به،كما أن الواقع العملي بين أن هاته المهام تشكل 70 بالمائة من العمل اليومي لرؤساء المحاكم وبالتالي تحول دون الارتقاء بالمرفق القضائي.
بهذا يمكننا القول بأن مفهوم الاشراف الذي أشارت اليه الفقرة الاخيرة من المادة 23 والمادة 19 يبقى منحصرافقط في السير العام للمحكمة وأداء نشاطها بشكل منتظم ومطرد دون القول بتبعية الكاتب العام للمحكمة أو للمسؤول القضائي أو تلقي تعليمات منه، لان هذا الدور يبقى من اختصاص سلطة التسمية  وهي وزير العدل وهذا على خلاف مصطلح السلطة الذي أوردته المادة 21 قبل التعديل حيث كان يرخص للمسؤول القضائي بإعطاء أوامره وتعليماته للكاتب العام ليحل مكانه وممارسة اختصاصاته واقتراح وضع حد لمهامه عند كل إخلال ينسب إليه وهو ما لايمكن تصوره مطلقا في حالة الاشراف الذي يبقى أساسه العام تحسين عمل المحاكم وممارسة كل مسؤول قضائي أو إداري لصلاحياته ومهامه.
من إعداد :
محمد الغفيد : خريج ماستر المهن القانونية والقضائية بكلية الحقوق طنجة وموظف بوزارة العدل.



0 commentaires: